يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
تفسير سورة الكهف
29747 مشاهدة
غرور صاحب الجنتين وعدم إيمانه بالبعث

قال الله تعالى: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ أي: دخل إحدى الجنتين، أو دخل كلتا الجنتين اللتين آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا كل واحدة من الجنتين آتت أكلها. يعني: ثمرها، وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا أي: لم تُخْفِ شيئا من ثمارها، بل أينعت ثمارها، فدخلها وهي ذات ثمار، وذات أشجار وأنهار وأزهار؛ فعند ذلك: افتخر،
وقال: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ظنه هذا ظن خاطئ؛ وذلك لأنه نسي قدرة ربه؛ الذي أعطاه، والذي مكنه، نسي أن الذي أعطاه قادر على أن يسلبه ما أتاه، نسي أن هذا ابتلاء وامتحان، نسي أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب ؛ فكان آثار هذا النسيان أن افتخر بما آتاه الله، وقال: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا يعني: أن تفنى وتضمحل.
ثم جاء بطامة أخرى بقوله: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً إنكار للدار الآخر؛ إنكار لقيام الساعة؛ إنكار للبعث بعد الموت، وكأنه يدعي أنه يخلد في جنته وفي بستانه، وأنها تبقى له دائما مزهرة لا تتغير، وأنه لو بعث لحصل على خير منها.
فلذلك قال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً إنكار قيام الساعة كفر ؛ من كَذَّبَ بها فقد كفر؛ وذلك لأن الله تعالى أخبر بقيام الساعة، وخبر الله خبر يقيني، فأقسم عليها في ثلاثة مواضع في قوله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أقسم بأن ما أخبرهم به فإنه حق، أمره بأن يحلف بربه.
وكذلك قال تعالى في موضع آخر: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ أقسم، أو أمره بأن يحلف بربه أنها سوف تأتيه هذه الساعة. يعني: قيام الساعة، الذي نفاها هذا الرجل بقوله: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً .
كذلك قال الله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ففي هذه المواضع أقسم الله بأن الساعة قائمة، وهذا الرجل يقول: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً أنكر قيامها، والمراد بقيام الساعة أن يبعث من في القبور، أن يبعث الله الأموات، ويعيد إليهم الحياة، ويحقق لهم ما وعدهم من الثواب على الحسنات، ومن العقاب على السيئات؛ فالذين ينكرون قيام الساعة يكذبون خبر الله تعالى. ومن كذب بالبعث كفر ويقول: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً .
ثم قال: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا كأنه يقول: لو قُدِّرَ أنني بعثت، ورجعت إلى ربي؛ ليعطيني خيرا منها، وكأنه يدعي أن من أعطي في الدنيا فإنه يعطى في الآخرة. ولا شك أن هذا من الخطأ الواضح؛ فليس كل من أعطاه في الدنيا يكون دليلا على كرامته بل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من أحب. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الدنيا تافهة وما عليها؛ فيقول -صلى الله عليه وسلم- لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء .
لكنهـا واللـه أحقـر عنـده
من ذا الجنـاح القاصـر الطـيران
أي: هذه الدنيا من أولها إلى آخرها حقيرة مهينة عند الله، أحقر عند الله من جناح بعوضة. لا تعدل ولا تساوي جناح بعوضة. ما فائدة الجناح، وما ثمنه، وهل له قيمة؟ لو كانت الدنيا تعدل -تساوي- جناح بعوضة ما أعطى منها الكفار؛ وذلك لأن الكفار كفروا بنعمة الله، وجحدوا ربوبيته وألوهيته؛ فكان جزاؤهم أن يحرموا من لذة الدنيا، ولكن الدنيا حقيرة فقيرة، ورد ما يدل على أنها حقيرة عند الله. قال الله تعالى: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ .
أخبر بأنه لولا أن الناس يكونون كلهم كفار، يخرجون من الملة؛ لمتعنا أهل الدنيا بمتاعها، وجعل لبيوتهم سقفا. أي: سقفها التي هي الصبات التي فوقها من فضة لجعلنا لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ أي: سقف البيت هو أعلاه؛ أن تكون كلها من فضة ومعارج. أي: درجا من فضة أيضا: عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا أي: من فضة، وَسُرُرًا السرر: جمع سرير، وهو الذي ينام عليه، أو يجلس عليه. عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا أي: ذهبا لولا أن الناس يكونون أمة على طريقة واحدة؛ لجعل الله للكفار هذه الأشياء، ثم قال تعالى: وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي هذا كله متاع الدنيا: متاع غرور.
يعني: كما قال تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ هكذا أخبر بأنه لا حَظَّ لهم في الآخرة، إنما الحظ في الآخرة للمتقين وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ .
فهكذا هذا الرجل الذي يقول: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا أي: ليعطيني خيرا من هذه الجنة؛ فإنه يدعي أن هذا حظه، أنه ذو حظ عظيم؛ لما أعطي هذه الجنة، لما أعطي هذا المتاع وهذه الزينة وهذه الزهرة ظن أن ذلك دليل كرامته؛ فقال: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ يعني: عند ربي خيرا من هذه الجنة منقلبا.